في عصر تتسارع فيه ثورة التكنولوجيا الرقمية وتتوسع شبكات التواصل الاجتماعي، برزت تحديات جديدة تهدد أمن وسلامة الفضاء الرقمي. وفي هذا السياق، جرى يوم الخميس 04 دجنبر بالرباط إطلاق النسخة الخامسة من الحملة الوطنية للوقاية من العنف الرقمي والتحرش الإلكتروني، تحت شعار "نحو فضاء رقمي دامج وأكثر رفاها للجميع". تهدف الحملة، التي تنظمها المركز المغربي للأبحاث المتعددة التقنيات والابتكار بشراكة مع وزارة العدل ومجلس أوروبا، إلى تعزيز الوعي بمخاطر العنف الرقمي، خاصة القائم على النوع الاجتماعي، وتقوية قدرات الفئات المستهدفة في مواجهة هذا التحدي المتزايد.
أهمية الحملة الوطنية للوقاية من العنف الرقمي
تأتي هذه الحملة في وقت يتزايد فيه الاعتماد على الفضاء الرقمي في حياة المواطنين، ما يستوجب توفير بيئة رقمية آمنة، خصوصًا لفئات الأطفال والنساء والفتيات اللواتي يكنّ أكثر عرضة للتحرش الإلكتروني والعنف الرقمي. وأكدت صوفنة بن يحيى، رئيسة قسم المرصد الوطني للإجرام بوزارة العدل، أن الوزارة تلعب دورًا محوريًا في مكافحة هذه الظاهرة من خلال تحديث الإطار القانوني، وتعزيز التدابير الزجرية، ورفع كفاءة المتدخلين في منظومة العدالة.
وأضافت بن يحيى أن الوزارة تعمل على تنسيق الجهود الوطنية والدولية لضمان حماية فعالة للضحايا في الفضاء الرقمي، مع التركيز على تطوير المقاربة الوقائية ومواكبة التطورات التقنية والذكاء الاصطناعي، بما يضمن احترام حقوق الإنسان وحمايتها في العصر الرقمي.
أبعاد العنف الرقمي وتأثيره على النساء والفتيات
رئيسة مكتب مجلس أوروبا بالمغرب، كارمن مورتي غوميز، أوضحت أن النساء الشابات والفتيات هن الأكثر تأثراً بالعنف الرقمي، الذي يؤثر على مسارهن الدراسي والمهني وعلاقاتهن الاجتماعية. وأشارت إلى أن العديد منهن يعانين في صمت، خوفًا من نظرة المجتمع والوصم الاجتماعي، ما يفاقم من معاناتهن النفسية.
وأكدت مورتي غوميز على أهمية الاعتراف بالتأثير النفسي العميق لهذا العنف، الذي يتسبب في اضطرابات مثل القلق، وفقدان الثقة بالنفس، والتوتر المزمن، والاكتئاب. ولذا، لابد من تعزيز آليات الاستماع وتوفير الدعم النفسي الملائم وتكوين المهنيين المختصين لتشخيص ومواكبة الضحايا.
دور المركز المغربي للأبحاث المتعددة التقنيات والابتكار
في هذه النسخة الخامسة، ركزت الحملة على الرفاه الرقمي والصحة العقلية، مع تنظيم دورات تكوينية جهوية تستهدف خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف، وجمعيات المجتمع المدني ومراكز الاستماع. وأوضح يوسف بن طالب، رئيس المركز، أن المبادرة تشمل أيضًا إطلاق مسابقة وطنية لأفضل المبادرات الإبداعية للوقاية من العنف الرقمي ضد النساء والفتيات، بهدف تحفيز الإبداع والابتكار في هذا المجال.
ومن أبرز الابتكارات التي أعلن عنها خلال الحملة، إطلاق أول روبوت دردشة يعتمد على الذكاء الاصطناعي تحت اسم "فضاء مغرب الثقة السيبرانية"، والذي يقدم المساعدة والتوجيه التقني والقانوني والنفسي. هذا الروبوت متاح لجميع المستخدمين، خاصة الشباب الذين باتوا يثقون أكثر بالأدوات الذكية.
التعاون والشراكات لتعزيز الوقاية والدعم
شهدت فعاليات إطلاق الحملة توقيع اتفاقية شراكة بين المركز المغربي للأبحاث المتعددة التقنيات والابتكار، واتحاد العمل النسائي فرع طنجة، ومنظمة عايدة، بدعم من سفارة سويسرا بالمغرب. تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التوعية ودعم القدرات في مجال التكفل بالنساء والفتيات ضحايا العنف الرقمي، ما يعزز التعاون بين مختلف الفاعلين ويقوي منظومة الحماية.
كما تزامن هذا الحدث مع الحملة الدولية لـ16 يومًا لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، حيث تم تقديم عروض عدة حول الأبعاد النفسية للعنف الرقمي، والتحديات التي تواجهها مواقع التواصل الاجتماعي من منظور الشباب، مع تسليط الضوء على الفرص والمخاطر.
الرصد العلمي ودراسة "الميتافيرس" والألعاب الإلكترونية
يشكل المرصد الوطني للإجرام بوزارة العدل ركيزة أساسية في تحليل الظاهرة، من خلال إنتاج دراسات معمقة وتوفير معطيات دقيقة. ومن المنتظر تقديم نتائج دراسة معمقة حول المخاطر الجنائية التي تطرحها بيئات "الميتافيرس" والألعاب الإلكترونية على القاصرين، في التاسع من دجنبر الجاري. تأتي هذه الدراسة في إطار متابعة مستمرة لمستجدات الفضاء الرقمي وتأثيراته على الفئات الهشة.
أهمية الوعي الرقمي والمسؤولية المجتمعية
إن هذه الحملة تضع في صلب اهتمامها تعزيز ثقافة الاستخدام المسؤول والآمن للفضاء الرقمي، وهو ما يتطلب تضافر جهود الأسرة، والمربين، والمهنيين، ومختلف الفاعلين المدنيين. إذ يشكل الوعي بالحقوق الرقمية، وفهم المخاطر، وامتلاك مهارات التفاعل الإيجابي، عوامل أساسية لبناء بيئة رقمية صحية.
وفي الوقت الذي توفر فيه التكنولوجيا فرصًا غير مسبوقة للتواصل والمعرفة، تبقى المخاطر قائمة، مما يحتم تحديث القوانين وتطوير الوسائل الوقائية، والتأهيل النفسي والاجتماعي للمتضررين، مع توفير الدعم القانوني والفني الفوري والفعال.
تمثل النسخة الخامسة من الحملة الوطنية للوقاية من العنف الرقمي والتحرش الإلكتروني خطوة مهمة نحو بناء فضاء رقمي أكثر أمانًا ورفاهية. بفضل التعاون بين المؤسسات الحكومية، والمنظمات الدولية، والمجتمع المدني، تسعى المغرب إلى تعزيز العدالة الرقمية، ودعم الضحايا، وتمكين الفئات الهشة، مع مواكبة التطور التقني المتسارع.
إن هذه المبادرة ليست مجرد حملة توعوية، بل دعوة شاملة لتحمل المسؤولية الجماعية في حماية حقوق الإنسان في العصر الرقمي، وضمان بيئة رقمية دامج وآمنة للجميع.
.png)