تواصل المؤسسة المغربية للنهوض بالتعليم الأولي ترسيخ مكانتها كفاعل رئيسي في تعميم التعليم الأولي بالمغرب، من خلال تحقيق إنجازات نوعية خلال الفترة 2024-2025. وقد شكلت الدورة الـ19 لمجلس إدارتها، المنعقدة يوم الأربعاء 03 دجنبر بالرباط، محطة بارزة لاستعراض حصيلة العمل وتقديم رؤية مستقبلية مبنية على الجودة، والابتكار، وتوسيع العرض التربوي لفائدة أطفال المغرب.
ترسيخ نموذج المؤسسة وتوسيع الشبكة التربوية
شهدت السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في نموذج عمل المؤسسة المغربية للنهوض بالتعليم الأولي، الذي يركز على تعميم ولوج الأطفال في مختلف جهات المملكة إلى تعليم أولي منصف وذي جودة. وأكدت المديرة العامة للمؤسسة، نسرين ابن عبد الجليل، خلال العرض التقييمي، أن المؤسسة تضم اليوم ما مجموعه 24.146 قسما تربويا يستفيد منها أكثر من 400 ألف طفل، وهو رقم يعكس النمو المتسارع للشبكة الوطنية.
هذا التوسع لم يكن مجرد زيادة عددية، بل رافقه تحسين ملحوظ في البنية التربوية والتأطير البيداغوجي، بما يتماشى مع أهداف البرنامج الوطني لتعميم التعليم الأولي، الذي يشكل أحد أهم محاور تطوير المنظومة التعليمية بالمغرب.
الموارد البشرية… رافعة أساسية للجودة البيداغوجية
تعد الموارد البشرية حجر الأساس في رؤية المؤسسة. وبحسب نسرين ابن عبد الجليل، فإن المؤسسة تعبئ اليوم أكثر من 24 ألف مربية ومربٍ، تشكل النساء منهم النسبة الأكبر بما يفوق 21.296 مربية. هذا العدد الكبير لا يقتصر دوره على التدريس فقط، بل يمثل نواة كبرى لشبكة مهنية وطنية متخصصة في التعليم الأولي.
ويستفيد هؤلاء الأطر من برامج تكوين مستمر ومواكبة تربوية منتظمة يشرف عليها 793 مشرفا تربويا. وتعتمد المؤسسة في ذلك على أدوات رقمية وتقنية حديثة، مثل منصة "مهارات" التي تضم أزيد من 15 ألف مستخدم نشط، مما يعزز مهنية الأطر وقدرتهم على مواكبة التطورات البيداغوجية الحديثة.
التدبير المفوض… حضور وازن في التعليم الأولي العمومي
أكدت المديرة العامة أن المؤسسة تدبر بشكل مباشر ما يقارب 70 في المائة من التعليم الأولي العمومي المجاني في المغرب، منها 72% في الوسط القروي و28% في الوسط الحضري وشبه الحضري. هذا الحضور الواسع يعكس الثقة المؤسسية التي حظيت بها المؤسسة منذ تأسيسها سنة 2008 كجمعية ذات منفعة عامة.
وتشتغل المؤسسة وفق نموذج التدبير المفوض الذي أقرته وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ما مكنها من تحقيق تجانس على مستوى الجودة، وتوفير بيئة تعليمية متكاملة تستجيب لحاجيات الأطفال.
مواكبة الجمعيات الشريكة وتوحيد معايير الجودة
تلعب المؤسسة دورا محوريا في تأهيل الجمعيات المدبرة الشريكة لها عبر منظومة متكاملة تشمل التكوين، والمواكبة، والتقييم. ويهدف هذا النظام إلى ضمان تجانس الجودة بين مختلف الفاعلين، وتوحيد المقاربات البيداغوجية داخل الأقسام التابعة للمؤسسة أو التي تشرف عليها.
هذه المقاربة التشاركية أسهمت في تنمية القدرات المحلية، وتوسيع دائرة الفاعلين المنخرطين في تطوير التعليم الأولي، مما يؤكد أن المؤسسة ليست مجرد إطار مُدبّر، بل شريك تنموي يعزز ممارسات تعليمية مستدامة.
رؤية "أطفالنا 2030"… مقاربة مستقبلية مبتكرة
أطلقت المؤسسة في سنة 2024 رؤية "أطفالنا 2030"، التي تقوم على ثلاثة محاور رئيسية:
– التميّز التشغيلي لضمان جودة مستدامة
– الإشعاع المؤسساتي لتعزيز صورتها ودورها المجتمعي
– تنويع نماذج التدخل بما يتماشى مع التحولات التربوية
تهدف هذه الرؤية إلى جعل التعليم الأولي رافعة حقيقية للتنمية البشرية، مع التركيز على الجودة والابتكار وربط المدرسة بمتطلبات العصر.
برنامج “صحة أطفالنا”.. دعم صحي مكمل للتعليم
على المستوى الصحي، سجل برنامج "صحة أطفالنا" (2023-2025) نتائج مهمة، حيث استفاد منه 301.517 طفلا. وشمل البرنامج 13 ألف استشارة طبية مجانية، إضافة إلى توزيع 3.796 نظارة طبية و23.679 أداة طبية عبر ست جهات بالمملكة.
هذا البرنامج يعكس قناعة المؤسسة بأن جودة التعليم الأولي لا تنفصل عن المواكبة الصحية والنفسية للطفل، باعتبارها شرطا أساسيا للتعلم في أفضل الظروف.
ابتكار تربوي… من الروبوتات إلى "Fab Lab"
استعرضت المؤسسة أيضا عددا من مشاريع الابتكار، أبرزها:
– اعتماد الألواح الشمسية في الفضاءات التربوية
– إدماج الروبوتات التعليمية في الأنشطة التربوية
– إنشاء "Fab Lab" متخصص في إنتاج ألعاب تعليمية محلية الصنع
هذه المبادرات تواكب التوجه العالمي نحو التعليم العصري القائم على التكنولوجيا، والابتكار، والتعلم النشط.
“بنك مشاريع FMPS”.. منصة لاستقطاب الاستثمار الاجتماعي
من أبرز مشاريع 2025-2026، أعلنت المديرة العامة عن إطلاق منصة "بنك مشاريع FMPS"، التي ستشكل آلية محورية لتوجيه الاستثمار الاجتماعي نحو مشاريع ذات أثر تربوي عال. تتيح المنصة عرض المشاريع ذات الأولوية، وتوجيه المساهمات، وتتبع الأثر التربوي، وضمان شفافية التدبير.
هذه المنصة تفتح آفاقا جديدة للشراكات الفعالة، وتعزز قدرة المؤسسة على تعبئة الموارد من أجل تطوير التعليم الأولي.
تصريح السيد بوطيب… وتأكيد على الاستمرارية
في تصريح له، أكد رئيس المؤسسة السيد نور الدين بوطيب أن سنة 2024-2025 كانت سنة تعزيز للنموذج المعتمد، وتوسيع الخدمات بوتيرة منتظمة، مع التشديد على أن الاستثمار في التكوين والتأطير سيظل أولوية لضمان جودة تعليمية مستدامة.
كما تمت خلال اللقاء المصادقة على الميزانية التقديرية لـ2026، التي ستمكن من توسيع عدد الأقسام، وتطوير الوسائل التعليمية، ومواصلة مشاريع التحديث والابتكار.
منذ تأسيسها سنة 2008، استطاعت المؤسسة المغربية للتعليم الأولي أن ترسخ مكانتها كأحد أهم الفاعلين في تعميم التعليم الأولي العمومي بالمغرب. وقد جاءت حصيلة 2024-2025 لتؤكد نضج تجربتها، وتعزز دورها في تطوير جيل جديد من الفضاءات التربوية، والرقي بجودة التعليم الأولي، مما يجعلها ركيزة أساسية في مسار إصلاح المنظومة التعليمية.