في عالم يتسم بالتحديات المتعددة بين أزمات بيئية ونزاعات إقليمية، يصبح العمل التطوعي أكثر من مجرد نشاط اجتماعي، بل ضرورة مجتمعية تسهم في بناء السلام والتنمية. في هذا السياق، أعلنت جمعية الأوراش المغربية للشباب (CJM)، بمناسبة اليوم العالمي للمتطوعين المصادف لـ5 دجنبر، عن خمس مطالب أساسية تهدف إلى ترسيخ ثقافة التطوع وتعزيز أثره في المجتمع المغربي والعالمي. هذه المطالب تضع العمل التطوعي في قلب الاستراتيجيات الوطنية، وتدعو إلى تعاون دولي أوسع لتمكين الشباب من الانخراط في مبادرات تطوعية تعزز السلام والتقارب الثقافي.
أهمية العمل التطوعي في بناء المجتمع والتضامن الاجتماعي
يمثل العمل التطوعي ركيزة أساسية في بناء التوازن الاجتماعي وترسيخ قيم التضامن والتعاون بين أفراد المجتمع. فهو نشاط يتيح للفرد المشاركة الفاعلة في تنمية محيطه وتحقيق التكافل الاجتماعي، بعيدًا عن الربح المادي. ترى جمعية الأوراش المغربية للشباب أن التطوع لا يقتصر على تقديم المساعدة فقط، بل هو مكوّن أساسي لمسارات السلام والتنمية، حيث يعزز من اللحمة الاجتماعية ويشكل قوة فاعلة في مواجهة التحديات المجتمعية المختلفة. ويتطلب ذلك تبني مقاربات مدروسة لدعم العمل التطوعي وتشجيع الشباب على الانخراط فيه.
مطالب جمعية الأوراش المغربية للشباب لتعزيز العمل التطوعي
تتمحور مطالب الجمعية حول خمس نقاط رئيسية، تعكس رؤية شاملة لتطوير العمل التطوعي في المغرب:
-
اعتماد استراتيجية وطنية للعمل التطوعي: تدعو الجمعية إلى وضع استراتيجية وطنية متكاملة تقوم على التنسيق بين المؤسسات العمومية والتنظيمات الجمعوية الفاعلة. هذا التنسيق يهدف إلى وضع خطط عمل واضحة تضمن تفعيل العمل التطوعي بشكل منتظم ومستدام، بما يحقق الأثر المرجو على الفئات المستهدفة والمجتمع ككل.
-
تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية العمل التطوعي: لا يمكن أن ينجح العمل التطوعي إلا بوجود ثقافة مجتمعية متجذرة تشجع على التطوع وتُبرز قيمته. لذلك، تعتبر الجمعية أن الوعي المجتمعي عنصر حيوي لتشجيع أكبر عدد من المواطنين على الانخراط في هذه المبادرات.
-
دعم الجمعيات لتمكينها من تنفيذ برامجها: تعد الجمعيات المحلية الفاعل الأهم في تنفيذ برامج تطوعية تستهدف الفئات الهشة. من هنا، تؤكد الجمعية على ضرورة دعم هذه الجمعيات مالياً وتقنياً لتتمكن من تحقيق أهدافها بشكل أفضل.
-
إعادة الاعتبار للعمل التطوعي ضمن مسارات السلم والتنمية: تدعو الجمعية إلى وضع العمل التطوعي كأحد الأعمدة الأساسية في تحقيق السلم الاجتماعي والتنمية المستدامة، وهو ما يتطلب إدماجه بشكل رسمي في السياسات الوطنية.
-
تسهيل تنقل الشباب بين البلدان للمشاركة في الأنشطة التطوعية: مع تنامي العولمة وتزايد التحديات المشتركة بين الدول، ترى الجمعية ضرورة تسهيل التنقل الدولي للشباب، بما يتيح لهم المشاركة في مبادرات تطوعية عبر الحدود تعزز الحوار والتقارب الثقافي.
السياق العالمي وأهمية الاحتفاء باليوم العالمي للمتطوعين
جاء إعلان الجمعية في ظرف دولي استثنائي يتميز بتزايد النزاعات والحروب الإقليمية والدولية، إضافة إلى تفاقم أزمة المناخ وتدهور البيئة. هذه التحديات تؤثر سلبًا على المجتمعات، خصوصًا الفئات الهشة التي تتطلب تدخلاً سريعًا وفعالاً. في مثل هذا السياق، يحتفل العالم يوم 5 دجنبر باليوم العالمي للمتطوعين كفرصة لتكريم المتطوعين وإبراز دورهم الحيوي في مواجهة الأزمات.
تعتبر الجمعية أن الاحتفاء بهذا اليوم يشكل نقطة انطلاق مهمة للاحتفال بالسنة الدولية للعمل التطوعي 2026 التي أعلنتها الأمم المتحدة، مؤكدًة التزامها المستمر على مدى 64 سنة في الدفاع عن قيم السلم والتعايش والتسامح. وتؤكد الجمعية أن التطوع ليس مجرد عمل إنساني بل مكوّن أساسي في مسارات بناء السلام والتنمية الاجتماعية.
دور الشباب والعمل التطوعي في تعزيز السلام والتنمية المستدامة
يتمتع الشباب بدور محوري في نشر ثقافة التطوع وتنفيذ المبادرات المجتمعية التي تخلق أثرًا إيجابيًا ومستدامًا. ومن خلال تمكينهم وتوفير الفرص المناسبة، يمكن للشباب أن يصبحوا سفراء للتغيير الإيجابي في مجتمعاتهم وعلى المستوى الدولي. تعزز المبادرات التطوعية من الحوار بين الثقافات وتقارب الشعوب، مما يساهم في بناء جسور تفاهم وسلام عالمي.
تشدد الجمعية على ضرورة الانفتاح والتعاون بين الدول لتسهيل مشاركة الشباب في المبادرات التطوعية الدولية، معتبرة ذلك خطوة هامة لتعزيز التعاون الثقافي والتنمية المستدامة.
دعم العمل التطوعي كركيزة وطنية وشبابية
يأتي مطلب اعتماد استراتيجية وطنية للعمل التطوعي كاستجابة لحاجة المجتمع المغربي إلى توجيه طاقاته الشبابية بشكل منظم ومدروس. هذه الاستراتيجية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار كل الفاعلين، من مؤسسات عمومية وجمعيات ومدن وقطاعات خاصة، لتنسيق الجهود وتوحيد الرؤية حول أهداف العمل التطوعي.
كما أن دعم الجمعيات وتوفير الموارد اللازمة لها سيتيح لها تنفيذ برامج فعالة تستهدف الفئات الهشة والمناطق المهمشة، مما يعزز العدالة الاجتماعية ويقلل من الفوارق.
العمل التطوعي في مواجهة تحديات العصر
مع تزايد الأزمات البيئية والاجتماعية والصحية، يظهر العمل التطوعي كخط دفاع أولي يخفف من تداعيات هذه الأزمات. فمن خلال البرامج التطوعية، يمكن تقديم الدعم النفسي، الصحي، والتنموي للفئات المتضررة، وهو ما يعكس روح التضامن الإنساني.
وفي ظل هذه الظروف، يعتبر تعزيز الوعي المجتمعي بمنافع التطوع ضروريًا، إذ إن مشاركة أوسع من المواطنين ستساعد على بناء مجتمعات أكثر صمودًا واستعدادًا لمواجهة التحديات.
.png)