تشهد فعاليات مهرجان المدارس بجهة فاس مكناس دينامية تربوية وفنية متجددة، تعكس الرؤية الجديدة لمنظومة التربية والتكوين، خاصة في الجانب المرتبط بالأنشطة الموازية ضمن خارطة الطريق 2022-2026. وقد شكل المهرجان الجهوي الثالث للمسرح المدرسي بإفران، المنظم يوم 26 نونبر 2025، لحظة بارزة للاحتفاء بالإبداع التلاميذي، وتعزيز قيم الفن والثقافة داخل المؤسسات التعليمية، وسط مشاركة واسعة كشفت قوة التأطير التربوي وحيوية المشهد المسرحي المدرسي بالجهة.
تنزيل خارطة الطريق 2022-2026: المسرح المدرسي في قلب الإصلاح
يأتي تنظيم الدورة الثالثة من المهرجان الجهوي للمسرح المدرسي بإفران في سياق جهود متكاملة تروم تعزيز ما جاء في خارطة الطريق 2022-2026، التي تولي أهمية خاصة للأنشطة الموازية باعتبارها محطة أساسية لصقل مهارات التلاميذ وإبراز مواهبهم. فالبرنامج الرابع من هذه الخارطة يركز على خلق فضاءات للتنشيط الفني والثقافي داخل المؤسسات، وهو ما يعكسه هذا المهرجان الذي أصبح موعدًا سنويًا ينتظره المتعلمون والمؤطرون بشغف كبير.
وقد افتتحت فعاليات المهرجان بمؤسسة التفتح للتربية والتكوين بآزرو، بحضور السيد المدير الإقليمي لمديرية إفران نيابة عن السيد مدير الأكاديمية، إلى جانب أطر تربوية وإدارية تمثل الأكاديمية ومديريات الجهة، في احتفاء جماعي بإنجازات التلاميذ وبالدور الحيوي للمسرح في بناء شخصية المتعلم.
مشاركة قوية لمؤسسات جهة فاس مكناس
تميزت هذه الدورة بمشاركة غنية لمؤسسات تعليمية من مختلف المديريات التابعة لجهة فاس مكناس، حيث قدم التلاميذ عروضًا مسرحية تعكس عمق التجربة الفنية بالمؤسسات. وقد أبان المشاركون عن مستوى متقدم في الأداء، واختيار مواضيع هادفة، وإتقان في الإخراج والسينوغرافيا، مما يؤكد حضور التأطير التربوي الجاد، وتفاعل الأطر التربوية مع برامج الأنشطة الفنية.
ولم يكن المهرجان مجرد منصة للعروض المسرحية، بل فضاءً تربويًا يبرز مهارات التواصل، العمل الجماعي، والإبداع، وهي كفاءات أساسية تعمل المدرسة المغربية على تعزيزها ضمن توجهات الإصلاح.
تتويج "المفتش" و"وفي رياض الجدة: البيئة فرحانة"
أسفرت فعاليات المهرجان عن تأهل عملين مسرحيين للمشاركة في المهرجان الوطني للمسرح المدرسي الذي سينظم خلال الأسبوع المقبل بمدينة الدار البيضاء. ويتعلق الأمر بمسرحية "المفتش" لمدرسة التنمية بمكناس، ومسرحية "وفي رياض الجدة: البيئة فرحانة" لمدرسة الكرم بالحاجب.
مسرحية "المفتش": نقد تربوي بطابع فني
قدّم تلاميذ مدرسة التنمية بمكناس عملًا مسرحيًا يحمل رؤية نقدية بأسلوب فني ممتع، حيث تسلط المسرحية الضوء على بعض السلوكيات الإدارية والتربوية في قالب هزلي راقٍ يقرب الرسالة من المتلقي. ولامس الأداء التلاميذي مستويات عالية من الاحترافية، ما مكن المسرحية من حصد إعجاب لجنة التحكيم.
"وفي رياض الجدة: البيئة فرحانة": رسالة بيئية للأطفال
تميزت مسرحية مدرسة الكرم بالحاجب بروح بيئية واضحة، تنسجم مع شعار هذه الدورة: "أرضنا بين أيدينا، لنحافظ عليها". وقد نجح التلاميذ في تقديم عرض تربوي مميز يدعو إلى حماية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية، عبر قصة بسيطة بليغة تجمع بين المتعة والرسالة الهادفة.
هذان العملان سيمثلان أكاديمية فاس مكناس في المهرجان الوطني، وهو تكريم مستحق للجهود التربوية المبذولة داخل المؤسسات التعليمية بالجهة.
حضور وازن لشخصيات تربوية وجهوية
عرفت الدورة الثالثة حضور شخصيات تربوية بارزة، من بينها السيد رئيس المركز الجهوي للتوثيق والتنشيط والإنتاج التربوي بالأكاديمية، والسيد رئيس مصلحة الشؤون التربوية بمديرية إفران، إضافة إلى مدير مؤسسة التفتح للتربية والتكوين وأطرها، وممثلين عن المديرية الإقليمية والأطر الإدارية والتربوية بمديريات الجهة.
هذا الحضور الوازن يعكس أهمية الأنشطة الفنية في المنظومة التربوية، ويؤكد دعم الأكاديمية الإقليمي والجهوي لهذا النوع من المبادرات التي تمنح للتلاميذ فرصًا للتعبير وإبراز المواهب.
دور المسرح المدرسي في بناء شخصية المتعلم
يُعد المسرح المدرسي أحد أهم الوسائل التربوية التي تساهم في تنمية قدرات التلاميذ، فهو يفتح أمامهم أبوابًا واسعة نحو الإبداع والتعبير الحر، ويعزز الثقة بالنفس والقدرة على التواصل. كما يساعد المسرح على معالجة قضايا تربوية ومجتمعية بأسلوب فني مبسط يصل إلى الجميع.
هذه التظاهرة أبرزت بوضوح القيمة المضافة للمسرح في المدرسة، ليس فقط كفن جمالي، بل كأداة تعليمية تُنمي الذكاء العاطفي والاجتماعي، وتحفّز التلاميذ على التفكير النقدي والابتكار.
شعار الدورة: "أرضنا بين أيدينا، لنحافظ عليها"
اختيار هذا الشعار ليس اعتباطيًا، بل جاء متناغمًا مع الجهود الوطنية والدولية لحماية الأرض والبيئة. فالعروض المسرحية المشاركة تناولت هذا الموضوع من زوايا مختلفة، مما يعزز الوعي البيئي لدى الناشئة، ويخلق لدى التلاميذ حسًّا بالمسؤولية تجاه محيطهم.
المهرجان الوطني: محطة جديدة للتنافس والإبداع
بعد تأهل المسرحيتين الفائزتين، تنتظر التلاميذ محطة مهمة تتمثل في المهرجان الوطني للمسرح المدرسي بمدينة الدار البيضاء. وتُعتبر هذه المشاركة فرصة لإبراز قدراتهم أمام لجان وطنية، والاحتكاك بمؤسسات أخرى من مختلف جهات المملكة، مما يوسع آفاقهم الفنية والتربوية، ويعزز روح التنافس الإيجابي.
إن فعاليات مهرجان المدارس بجهة فاس مكناس، وخاصة المهرجان الجهوي الثالث للمسرح المدرسي بإفران، تشكل تجسيدًا حيًا لنجاح البرامج التربوية الهادفة إلى تعزيز الأنشطة الموازية. كما أنها خطوة مهمة نحو مدرسة دامجة، مبدعة، ومتجددة، تعطي للتلميذ مكانته داخل العملية التعليمية، وتفتح أمامه مسارات جديدة للتعبير والابتكار.
بهذا الزخم الفني والتربوي، تواصل الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين جهودها لإرساء ثقافة الإبداع داخل المؤسسات التعليمية، وترسيخ قيم الفن الهادف لدى الناشئة، في سبيل بناء مجتمع متوازن، واعٍ، ومواطن.


